في عام 2007 فتحت منظمة السياحة العالمية الأبواب أمام المرأة لتؤدي دورها في تنشيط وتطوير قطاع السياحة، ورصدت جوائز لتكريم المرأة؛ التي لعبت دورًا بارزا في التنمية السياحية؛ مما يُعَد اتجاهًا قويًّا في تفعيل دور المرأة ومشاركتها في التنمية السياحية في بلدان العالم المختلفة، وهو ما أكد عليه إعلان الأمم المتحدة باعتبار عام 2017 هو عام السياحة المستدامة من أجل التنمية.
(القطاع الخاص والدور المأمول)
هناك إجماع متزايد على أهمية صناعة السياحة ودورها في اقتصاديات الأمم، وأن ذلك لن يتم دون إشراك المجتمع في هذه الصناعة التي تتنامى يومًا بعد يوم ليس بالجهد الحكومي فقط، بل بإشراك القطاع الخاص والمجتمع المحلي في عمليات التسويق والتخطيط والتنفيذ. ورغم أن القطاع العام في العديد من الدول المتقدمة سياحيًّا بدأ في الانسحاب التدريجي من عدد من العناصر المكونة لهذه الصناعة، فقد أصبح من المهم أن يضطلع القطاع الخاص بدوره لإدارة هذه الصناعة مستندًا إلى الدعم الذي تقدمه الدول والذي لا يمكن الاستغناء عنه.
(وعي المرأة وإثراء التجربة)
لقد أسهم التعليم وارتفاع مستوى الوعي بأهمية السياحة للاقتصاد المحلي ودورها الاجتماعي والثقافي في التحاق الشباب بالأعمال والبرامج السياحية، وأصبحت المرأة اليوم أكثر تفاعلاً مع السياحة وقضاياها نتيجة لانتشار التعليم وارتفاع مستوى وعيها بأهمية مشاركتها في النشاط السياحي.
كما شهدت الآونة الأخيرة تنامي مشاركة المرأة السعودية في النشاط السياحي، بعد أن أصبحت شريكاً في اتخاذ القرارات السياحية، بالإضافة إلى ممارستها للنشاط السياحي بعد أصبح دورها محوريا في عدد من الأنشطة السياحية ومنها الرحلات السياحية والإرشاد السياحي للتعريف بالوجهات السياحية والثقافة المجتمعية وتحويل رحلة السائح الى تجربة ثرية تجعله أكثر رغبة في تكرارها في المستقبل.
(إمكانات كبيرة ومستقبل واعد)
فالمملكة العربية السعودية تملك إمكانات سياحية متنوعة وبنية تحتية قوية جعلتها من أهم الوجهات السياحية وأكثرها نموًّا؛ مما أهلها لأن تكون الوجهة المثالية للسياحة والترفيه خصوصًا بعد الانتهاء من تنفيذ المشروعات العملاقة لشركة مشاريع الترفيه السعودية المملوكة لـ”صندوق الاستثمارات السعودية” والتي تعمل كذراع استثماري وتنفيذي للصندوق برأس مال يبلغ 10 مليارات ريال، ومن المتوقع أن تساهم مشاريع الشركة بنهاية عام 2030م في خدمة أكثر من 50 مليون زائر سنويًّا وتوفير أكثر من 22 ألف وظيفة في المملكة، كما ستساهم في إجمالي الناتج المحلي بما يقدر بـ 8 مليارات ريال.
وعلى الرغم من هذا التطور الهائل فما زالت هناك بعض القضايا المرتبطة بعمل المرأة في الإرشاد السياحي بحاجة إلى فهم علمي وعملي لإزالة الغموض عنها: فتمكين المرأة وتوسيع فرص المنافسة والتحولات الجدية باستثمار دورها في الإرشاد السياحي الذي حققت فيه نسبًا عالية من النجاح والتميز خصوصًا بعد فتح باب التأشيرات السياحية من خارج المملكة؛ لا شك أن ذلك من الأمور التي يجب دراستها بدقة كي يمكننا الاستفادة من دور المرأة في تحقيق نتائج أفضل فيما يتعلق بقطاع السياحة.
(هل نحن بحاجة الى المرشدات؟)
إذا كان على القطاع الخاص – الذي نأمل أن يعود إلى التعافي بعد التخلص من تداعيات كورونا- أن يضع خططًا أكثر واقعية لمستقبل صناعة السياحة التي أضحت اليوم من أكثر الأنشطة تأثرًا بهذه الجائحة، فإن المشاريع الأخرى التي يقوم بها صندوق الاستثمارات العامة في كلٍّ من “نيوم، والقدية، والبحر الأحمر” ستكون بحاجة ملحة الى الكثير من الشباب السعودي ذكورًا وإناثًا للعمل في إدارة وتشغيل هذه المشروعات مرحليًّا، ومن هنا فإن الحاجة الى تكثيف التدريب والتأهيل في مجال الإرشاد السياحي أصبحت خطة استباقية يجب الاهتمام بها.
وهنا تبرز حاجة المملكة الى مرشدات متخصصات وقادرات على التعامل مع السياح المحليين والوافدين لإثراء تجربة الزوار ونقل المعلومات الصحيحة ومعرفة تفاصيل وأسرار الأماكن بعد تزويدها بالمهارات التي تعلمتها في الدورات التدريبية وورش العمل؛ فمن المعروف أن السياحة إلى المملكة -كما هي في كل دول العالم- تتعامل مع كل فئات المجتمع ومنها المشاركين في الرحلات العائلية التي تضم النساء والأطفال أيضًا، وهناك سائحات من دول عربية وإسلامية يفضلن التعامل مع مرشدة سياحية، إضافة الى قدرة المرشدة على التعامل مع الأطفال أثناء الجولات السياحية لما تتمتع به من قدرات في التعامل مع هذه الفئة بدرجة أكبر من الرجال.
(التراخيص … والاستثمار)
لم يكن الترخيص للمرأة للعمل كمرشدة سياحية متاحًا قبل انطلاق رؤية 2030، واليوم أصبح الإقبال كبيرًا من النساء الراغبات في دخول قطاع السياحة والحصول على رخصة مرشد سياحي؛ مما أتاح أمامها فرصاً ثرية وواعدة للعمل المتخصص في ظل تنامي عوامل الجذب في المناطق التي تترافق مع مواسم السياحة.
وقد شهدت الأنشطة السياحية والترفيهية في السعودية إقبالاً من النساء سواءً للعمل مرشدات أو مستثمرات في مختلف القطاعات ومنها تنظيم الرحلات والفعاليات السياحية، وكما أعلنت وزارة السياحة: فإن إصدار الرخص للمرشدات السياحيات يأتي لما للمرأة من أهمية وعمل فاعل في المجتمع، وأيضاً لتمكينها من إيجاد فرص عمل متنوعة.
التدريب وتحسين فرص العمل
إن وزارة السياحة والجمعية السعودية للمرشدين السياحيين قامت بعددٍ من الخطوات الهامة للارتقاء بقطاع السياحة منها توفير فرص التدريب المتخصصة، وتحسين بيئة العمل للمرشدين السياحيين، والإسهام في إجراء الدراسات، وتشجيع الترخيص لنحو 20 مرشدة سياحية سعودية، مع تدريب أكثر من 200 سعودية متقدمة للحصول على الرخصة، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المرشدين السياحيين من الجنسين سيصل الى 1200 مرشد سياحي، ومن المستهدف الوصول إلى 4500 مرشد سياحي بحلول عام 2030.
وفي هذا الإطار ينبغي الإشارة للجهود الرامية إلى الارتقاء بمهنة المرشد السياحي التي يقوم بها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية بوزارة السياحة من خلال تقديم شتى المهارات للراغبين في ممارسة هذه المهنة قبل الحصول على رخصة الإرشاد السياحي حيث يخضع لدورة مكثفة تغطي مختلف الموضوعات المتعلقة بمهنة الإرشاد السياحي، فضلاً عن تطوير مهارات الإلقاء والاتصال وتحديثها، وتطوير مهارات القيادة والتفاعل مع المجموعة السياحية بمنهجية مطورة.
(تمكين المرأة والتحديات)
إن السفر والسياحة يمكن أن يساعدا على تمكين المرأة، وقد أدركت مجموعة البنك الدولي ومنظمات أخرى حجم هذا القطاع كأداة إنمائية قوية، وأن السياحة توفر فرصًا لمشاركة المرأة في القوى العاملة وريادة الأعمال النسائية والقيادة النسائية أفضل مما تتيحه القطاعات الأخرى في الاقتصاد.
وفقًا لمنظمة السياحة العالمية، فإن السياحة في بعض البلدان تضم ما يقارب ضعف عدد سيدات الأعمال في القطاعات الأخرى، حيث وجدت منظمة العمل الدولية أن النساء يشكلن ما بين 60 و70% من القوة العاملة في قطاع الفنادق في بعض الدول، وكشفت دراسة أُجريت في بلغاريا أن 71% من المديرين والإداريين في مجال السياحة من النساء مقابل 29% فقط في البلد ككل. ووفقًا لدراسات صندوق النقد الدولي، فإن زيادة مشاركتها ستسهم في زيادة حجم اقتصاد الدول المتقدمة بنسبة 11%، وفي الدول الناشئة بنسبة 30%؛ مما يؤثر إيجابًا على الاقتصاد الكلي. وفي الوقت الذي تشير فيه أغلب الدراسات والتحليلات حول مشاركة النساء في القطاع السياحي -ومنه الإرشاد السياحي- إلى العديد من التحديات من ضمنها: عدم تقبل بعض فئات المجتمع من جهة، وعدم إمكانية التوفيق بين التزاماتهن الأسرية وأوقات العمل في الإرشاد السياحي الذي قد يستغرق وقتًا طويلًا من اليوم وإشكالية التعليم والتدريب الناتجة عن قلة الكليات والمعاهد المتخصصة في هذا المجال، إلا أنه يمكن دعم المرشدات بعقد ورش العمل وحلقات النقاش مع النماذج الناجحة ممن سبقهن من المرشدات السعوديات، ورغم ان دخول المرأة السعودية إلى قطاع السياحة يُعَد حديثًا في المملكة، إلا أنها استطاعت أن تثبت جدارتها كمرشدة سياحية وخصوصًا في سياحة الكهوف والسياحة التاريخية وبرامج الرحلات البحرية.وأخيرًا..هل يمكن القول أن المرأة السعودية قادرة على أن تكون عاملًا رئيسيًّا في تنمية قطاع السياحة بوجه عام والإرشاد السياحي على وجه الخصوص؟ أم أنه من المبكر الإجابة عن هذا السؤال بكل تجرد وموضوعية!!!
محمد قاري – السياحة العربية