في عنيزة، لا يشبه الصباح أي صباح. الفجر ينهض على طبولٍ من نخيل، كأن الأرض تحتفل بعيدها السنوي. هنا، تتحوّل التمرة إلى نجمة، والسوق إلى ساحة عيد، والناس إلى مواكب فرح.
النساء يعجنّ التمور ليصنعن الكليجة والمعمول والكيك، فتخرج من أيديهن أرغفة مغموسة بحبّ الأرض. كل قطعة حلوى تحمل عبق الأمهات، وتُعيدنا إلى لحظة عيد قديم، يوم كانت الموائد تُزيَّن بالتمر قبل أي شيء.
الشباب يافعين يحرجون على التمور منذ السادسة صباحًا، أصواتهم تصعد مع أول شعاع شمس، كأنهم يكتبون أول فصول تجارتهم. كل صفقة صغيرة هي عيد ميلاد جديد لأحلامهم، وكل ابتسامة في السوق تكبيرة عيد.
وغرفة عنيزة، بخبراتها ورعايتها، تحفظ هذا العرس كوصيّ حكيم، تحتضن التجار وتدعم الأسر المنتجة، ليبقى المهرجان مرآة للتكافل وميدانًا للإبداع.
النخلة هنا ليست مجرد شجرة؛ إنها ذكرى في الذاكرة السعودية، ورمز في القرآن حين قيل لمريم: “وهزي إليك بجذع النخلة”. هي الشجرة المباركة التي أطعمَتنا في الصغر، وتظلّلنا في الكبر، وتبقى شاهدة على أن الخير يبدأ من جذعها، ويمتد عيدًا في كل بيت.
مهرجان عنيزة… قصيدة وطن، صدرها نخلة، وعجزها فرح.
د. عائشة عباس نتو – المدينة