«رُوّحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلّت عميت». بهذه الحكمة المأثورة التي تنبع من أعماق الوجدان العربي والإسلامي، ندرك أن الحياة ليست جداً بحتاً، بل هي مزجٌ متناغم بين العمل والترويح. فالقلوب تحتاج إلى ما يحييها وينعشها، كما تحتاج الأجساد إلى الغذاء والراحة.
لطالما شكلت الأسرة اللبنة الأولى لهذا الترويح، فهي تبحث عن شذى السعادة في لقاءاتها، وبراءة أطفالها، واللحظات الجميلة التي تنثر البهجة في مسيرة الحياة. والترفيه في جوهره ليس ترفاً، بل هو لغة عالمية عبرت عنها الحضارات، وتناقلتها الأمم، لتعبر من خلالها عن هوياتها، وتظهر مواهبها، وتترجم إبداعاتها.
وفي ظل رؤية مستنيرة يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، تشهد المملكة العربية السعودية نهضة شاملة، يأتي قطاع الترفيه في صميمها ليكون أحد أبرز تجليات التحول. فقد أدركت «رؤية 2030» أن الإنسان المفعم بالحيوية هو ركيزة التنمية، وأن المجتمع المتحفز هو دافع التقدم. فتحول الترفيه من مفهوم ثانوي إلى استراتيجية وطنية تلامس تطلعات أبناء الوطن وتحقق احتياجاتهم النفسية والروحية.
وتحت القيادة المميزة للمستشار تركي آل الشيخ، نجحت «هيئة الترفيه» في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس، حيث قدمت مشاريع ومبادرات تجسدت في «موسم الرياض» كأبرز نماذجها. فلم يعد مجرد موعد على التقويم، بل أصبح ظاهرة حضارية ووجهة عالمية تختزل روح المملكة وتقدمها للعالم في قالب إبداعي فريد.
لقد استطاعت هذه المشاريع إحداث تحول نوعي في النسيج المجتمعي، كونها تجسد حالة من التوازن الجميل بين الجدية في العمل والمرح في الحياة. فأصبحت الفعاليات محط أنظار العالم، وقدمت صورة المملكة الحضارية كواحة للإبداع والسلام والانفتاح الواعي. و انعكس هذا كله إيجاباً على الطاقة الإنتاجية وجودة الحياة، ليمسي تحقيقاً للحكمة الأصيلة في أهمية الترويح عن النفوس.
ولا يمكن تجاهل الأبعاد الاقتصادية العميقة لهذه النهضة، حيث تحول قطاع الترفيه إلى داعم حيوي للاقتصاد الوطني، يُحرك عجلة السياحة والضيافة والتجارة، ويخلق آلاف الفرص الوظيفية للشباب، مساهماً في تنويع مصادر الدخل وتحقيق مستهدفات «الرؤية».
كما أصبح الترفيه لغة ثقافية ناعمة تقدم للعالم ثراء التراث السعودي وأصالة ثقافته، في قالب معاصر يجمع بين الأصالة والحداثة.
والجميل في هذه النهضة شموليتها لجميع شرائح المجتمع، فالكبار والصغار، والنساء والرجال على حد سواء، يجدون مساحتهم الخاصة للفرح البريء. وهذا يعزز التماسك الأسري ويقوي أواصر المجتمع، في نموذج متميز يوفق بين التقاليد العريقة والروح المعاصرة.
إن ما نشهده اليوم في المملكة هو أكثر من مشروع ترفيهي؛ إنه تحقيق لوعد تنموي، وترجمة لرؤية مستقبلية. إنها قصة نجاح سعودية خالصة ترويها قلوب أبناء الوطن وتبنيها أيادي المخلصين. فبالنفوس المطمئنة والهمم العالية، تُبنى الأمم، وترتقي الحضارات.
وبهذه الرؤية الحكيمة، وهذا التنفيذ المتميز، تواصل المملكة رسم ملامح مستقبل مشرق، حيث لا تعارض بين الأصالة والحداثة، ولا بين الجدية والبهجة، في معادلة حضارية مدروسة تضع الإنسان في قلب أولوياتها، وتجعل من سعادته غاية تنشدها، ووسيلة تقدمها.
صالح الشادي – الجزيرة