الكَبسَة وجبة أو أكلة سعودية خليجية وإن اختلفت التسمية من الكبسة إلى المكبوس وغيرها، وهي محل تقدير غالبية شعب المملكة لا سيما إذا أعدَّت على الطريقة المُثلى بمكوناتها الرئيسة من الرز الفاخر واللَّحم الطيب أو الدجاج المنتخب؛ زد عليها حسب الذوق نخبة من المُكسرات والبهارات اللائقة بها؛ المُحسّنة لمذاقها ومنظرها، فالعين – كما يقال – تأكل قبل اليد!
* هذا الانتصار الباذخ للكبسة ودلَّة القهوة مع أصناف التّمر الجيدة كتقليد سعودي أو خليجي ـ فكلنا واحد ـ هو تكريس وقناعة بوجاهة الموروث الشعبي الأصيل؛ وتأكيد لتذوقنا لما يناسبنا وما أحببناه منذ الأزل ولا نقبل التنازل أو النقاش الذي ينال منه أو يقلل من أصالته وتجَذّره بذائقتنا الشعبية، ومع كل هذا نؤمن بأن لكل شعب ما يناسبه ويروقه؛ ولذلك فإننا نرى أن الكبسة خط أحمر لا نقبل المساومة حوله!
* يغادر أحدهم إلى رحلة سياحية لزمن محدود فإذا به يُرهِق عيوننا بصوره بين تلك المنتجعات والشوارع والمقاهي وكأنه قد حقَّق إنجازاً غير مسبوق! ويُضّمِّن صوره وتسجيلاته المرسلة مشاهد لإعداد الكبسة والقهوة العربية (بالدَّلة والمَعَامِيل) على ضفاف أحد الوديان الخضراء وكأنه باستراحته هنا ببلده؛ وهو بذلك لا يقصد الترويج والتعريف بالكبسة الطيبة والقهوة العربية كأجود قهوة بالعالم كتلك التي تزرع بمحافظات جنوب المملكة والجنوب العربي، فما يصنعه هذا السائح لم يكن إلَّا ضرباً من الاستعراض المفرغ من المعنى غالباً.
* حين نقتنع بهذه المفاهيم حول (كَبستنا ودلّتنا وتُمورنا) بديارنا ومنازلنا؛ لنا ولضيوفنا ونتشرف بتقديمها كل حين، فهذا – بزعمي – لا يلزمنا باصطحابها معنا بترحالنا وتنقلنا السياحي بأرض الله الواسعة، فتلك الديار بتنوعها الطبيعي والزراعي تزخر بخيرات حسان يفترض إدراجها ضمن البرنامج اليومي للسائح وليتذوق أطعمة ومأكولات تلك البلاد، فنحقق بهذا جزء من التبادل المعرفي الثقافي لأننا نطلب من زوارنا تذوق طعامنا فلِمَ لا نفعل ذات الشيء معهم؟
* القليل من سياحنا يَدلِف إلى المتاحف ومراكز الآثار التاريخية والثقافية والفنية بالبلاد التي ساح بها، والبعض تنقصه الإحاطة بتعريف مفهوم السياحة بالأصل ومن الطبيعي أن تغيب عنه مفاهيم المتاحف والآثار وما تعنيه من تاريخ وثقافات الشعوب بكل تفرعاتها، كما أن من لوازم ومقومات السياحة بمعانيها وتعريفاتها الشاملة التعرف على العادات والتقاليد لتلك الشعوب بما في ذلك أطعمتهم وأسواقهم الشعبية وحتى ألعابهم وفنونهم التقليدية، فالمتعة بالتجديد والتغيير وتجربة (المناسب اللائق) مما نمر به أثناء تجوالنا السياحي لتكتمل المتعة والمعرفة.
* وملحوظة تبدو مهمة وجديرة بالاعتبار والتأمل ذلك أن البعض حين سياحتهم يعمدون للظهور بمظهر الثراء والتّنعُّم بالملبس والمقتنيات من مجوهرات وساعات يدوية وأجهزة إلكترونية محمولة أمام أنظار جموع الجماهير بتلك البلاد سواء كانوا من أهلها أو من وافدين وسياح هناك، فالسياحة تتنافى مع هذا الظهور بين تجمعات مختلفة الثقافات والمستويات الفكرية والمعيشية؛ فحينها لا تَجزَع إن تعرضت لما لا يرضيك من سرقة أو عبارات مُشينة أو – على الأقل – نظرات تُقَيِّمك على حقيقتك؛ لا سيما إذا كنت من المُقترضين لهذه السياحة أو (الهياط).
علي الخزيم – الجزيرة