كان قراراً رائعاً من إدارة الخطوط السعودية بإعلانها المباشر عن “ملاحظة ارتفاع أسعار بعض فئات التذاكر الجوية، وأنها ستعمل اتخاذ إجراءات لمراجعة الأسعار”. مكمن روعته أن الخطوط السعودية قد تخلصت من عقود من البيروقراطية كانت خلالها تعمل وفق ما تريده، لا ما يتطلبه السوق والتنافس خدمات وأسعار، لذا ظلت قابعة عقوداً مديدة في محل متأخر من التنافس لم تتخلص من جزء كبير منه إلا خلال العهد الجديد، عهد الرؤية الذي منع كل تأخر وقوّم كل اعوجاج.
بعد هذه التوطئة، علينا الاعتراف بأن إيجابيات كثيرة قد بدأت تظهر على هذه الخطوط، من أهمها: احترام الراكب واحترام وقته، فلم يعد بالإمكان أن تأخذ حجز غيرك كما كان متداولاً قبل سنوات خلت، ولم يعد بالإمكان أن تنعم بالتفضيل لأنك شخصية معروفة أو اعتبارية على حساب شخص آخر ليس في الوضعية الاجتماعية نفسها.
حالياً الأمور تغيرت كثيراً سواء في الخدمة أو المواعيد، ناهيك عن أنها -ولله الحمد- متفوقة وفق أرقام موثقة في عملية الصيانة والسلامة. يحدث هذا ونحن أكثر غبطة به، فهي تحمل اسمنا وتطير لأجلنا، حتى لو افترضنا أنها مؤسسة وطنية ربحية قبل أن تكون خدمية، أشياء كثيرة تغيرت في هذه الخطوط، والسبب أن العمل على انتزاع دائها الداخلي قد بدأ يظهر للعيان من قبل مسؤوليها الجدد، فلا حلول إلا بآلية عملية متطورة تنبع من الداخل تجبر الموظف الكبير حتى الصغير على الالتزام بالمعايير المطلوبة، وهذا ما نحسبه أنه قد بدأ يتجلى للعيان مع الجيل الحالي المتطلع لكل الأفضليات.
والآن ومع تبقي إشكالية التذاكر، فلا مناص من أن الخاسر الأكبر من رفعها هي الخطوط السعودية لأن الخيارات كثيرة، لذا كان الرجوع عن الخطأ حميداً، وهذا لن يمنع من أن نعترف بأن تحسناً كبيراً قد طرأ على محياها حتى باتت أكثر قبولاً، ولعل سعادتنا ستكون أكبر في ظل المنشآت الكبيرة في المطارات والتنافس الذي بات حتمياً من خلال الرحلات الداخلية والخارجية، وسط الكم الكبير من خطوط الطيران التي تعبر سماءنا، ولا بد أن تكون خطوطنا في محل التفوق والقدرة على التفوق عليها، لا الاصطفاف خلفها.
المهم في القول: إن على الخطوط السعودية أن تنسينا بالرقي الذي نتوقعه منها -حالياً- ذلك التاريخ الطويل الذي كانت فيه في محل عدم رضا من المعنيين باستخدام هذه الخطوط أكثر من غيرهم، حتى أن الكل قد اتفق على تراجع خدماتها وضعف منتجها وتأخر رحلاتها، ولم يكن منهم إلا ويتذكر أنه قد رفع عقيرته بالشكوى من جراء خلل قد أصابه منها، ناهيك عن أنهم يتقلبون غيرة وكمداً من الرقي الذي تعيشه خطوط الطيران الأخرى في الدول التي تجاورهم، وتسابقهم ليس بالظفر لإرضاء وإسعاد ركابها، بل على نيل التفضيلات العالمية كأفضل خطوط طيران في العالم.
مساعد العصيمي – الرياض