لا يصنع التاريخ إلا العظماء وليس التاريخ يصنعهم.. إنهم رجال قلائل يقل مثيلهم ولا يتكررون لأن صفاتهم تنبع من ذواتهم ولا يتصنعونها أو يزيفونها، هي طبع منحه الله إياهم وقيضهم لأداء مهامهم الناجحة والمؤثرة مكانًا وزمانًا.. وهذه الصفات تنطبق على سمو أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم الذي تعرف بطاح القصيم وطأته.. وتعرفه وديانها وكثبان رمالها.. تعرفه النخيل الشوامخ والبساتين الخضر.. يعرف تواضعه كل صغير وكبير.. ففي كل يوم يفتتح مشروعًا.. أو يقابل عالمًا من علماء القصيم.. أو يتفقد صرحًا صحيًا أو تعليميًا.. أو يرعى حفل مهرجان زراعي وكان آخرها مهرجان التين، وفي كل ناحية من نواحي القصيم.. حين يتحدث، ينصت، الكل فيجدون في كلماته الحكمة والفائدة من رجل فذ خبير يعرف خبايا الأمور، تتعجب من دقته وإلمامه بكل مشروع حتى لو كان متواضعًا.. إنه هبة من الله للقصيم وأهلها.. وبعد مقدم سمو نائبه الأمير فهد بن تركي زادت نسبة تطلع المواطنين لمستقبل مشرق لهذه المنطقة التي خدمت الدولة برجالها من علماء ووزراء وكبار ضباط وتجار ورجال أعمال ومفكرين.. وتخدمها حاليًا كمنطقة إستراتيجية مهمة كموقع في وسط البلاد ذات مستقبل تنموي استثماري باهر بمقوماتها الجغرافية وخاماتها الممكنة للتطوير بشرط تطوير البنى التحتية فيها وتطوير الخدمات، وسأتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل:
أولاً: من البديهي أن يلحظ الزائر للقصيم النمو العمراني والسكاني الهائل للمنطقة والذي فاق كل التوقعات، بل إن الإحصاءات تشير إلى أن منطقة القصيم تشهد أكبر نسبة تداول للعقار ونسبة للبناء، وهذا شيء ملاحظ حيث يزداد النمو العمراني والازدحام المروري للطرق وزيادة هائلة للشقق السكنية لعاصمة القصيم مدينة بريدة ومدن عنيزة والرس، وهذا الازدياد جاء نتيجة للخطوات التطويرية التي انتهجها سمو أمير المنطقة كتطوير المطار وتحويله إلى مطار دولي، وتسهيل مهمة المستثمرين وتشجيع المهرجانات الاقتصادية وموقع القصيم المتميز على خط النمو بين شرق المملكة وغربها، حيث إن النمو الكبير لمدن الرياض وجدة والمدينة المنورة بشكل فاق تحمل البنية التحتية للخدمات جعل بوصلة النمو تتجه لمنطقة القصيم بموقعها الجغرافي المتميز كملتقى للطرق وما تتميز به من مقومات اقتصادية مهمة وطموح أهلها وتميزهم بالفكر العلمي والاقتصادي ولبعدها عن ملوثات البيئة, ولوجود الفرص الاستثمارية الكبيرة فيها خاصة في مجال التمور, والتصنيع الغذائي, بل وحتى في مجال النقل الجوي. وسأتحدث عن ذلك لاحقًا. وفي المجال السياحي البيئي وغيرها واستغلال هذه الإمكانات يتوافق مع الرؤية الطموحة للمملكة 2030 حيث تهتم باستغلال الموارد المتاحة وتقليل الاعتماد على النفط وزيادة فرص العمل للسعوديين وتقليل نسب البطالة. وأقترح أن يتم وضع رؤية لمنطقة القصيم تكون تنفيذية لرؤية المملكة 2030، يقوم بوضع هذه الرؤية مجلس المنطقة الذي يقوده سمو الأمير، ويتم في هذه الرؤية دراسة كل الفرص الممكنة للتطوير الذاتي واستغلال إمكانات المنطقة الكبيرة للمساهمة في رؤية ثاقبة وناجحة
ثانياً: مشاريع البنية التحتية هي أهم العناصر في تحقيق التنمية المستدامة والعيش الكريم للمواطن, وهي من الشروط المطلوبة للاستثمارات الناجحة، فلا يوجد استثمار ناجح دون خدمات كهرباء ومياه واتصالات ناجحة, ولا يوجد استثمار ذو أثر اقتصادي دون وسائل نقل سهلة ومريحه وكذلك الخدمات الصحية, والخدمات التعليمية، فالخدمات يكمل بعضها بعضًا لحياة كريمة للمواطن ومن أهمها:
1 – المطار
تم قبل فترة تحويل مطار الأمير نايف بالقصيم لمطار دولي ولهذا التحويل دلالة ومؤشر مهم تنمويًا، حيث إن ذلك التحويل يقول إن منطقة القصيم أصبحت رابع مناطق المملكة الكبرى، وهي وإن كانت أقل منها سكانًا إلا أن مطارها الدولي يحتم أنها من أهم مناطق المملكة في التنمية الاقتصادية.
فالمطار ينطلق منه حوالي 400 رحلة دولية أسبوعيًا، وهو أكثر المطارات الداخلية حركة، وتحويله إلى مطار دولي لم يأت عبثًا وإنما الذي فرض ذلك عاملان مهمان، التطور التنموي للقصيم وموقعها الإستراتيجي شمال وسط المملكة, وقد تم طرح مشروع المطار من قبل هيئة الطيران المدني ولكن لم يتم تنفيذه، وطرحه بنظام البناء والتشغيل (poT) يعتبر خيارًا إستراتيجيًا ناجحًا حيث لا تتحمل خزينة الدولة ولا حتى ريالاً واحدًا، وسيدر عائدًا استثماريًا مجزيًا بعد عودة تشغيله، وحتى لو لم يدفع المستثمر للدولة بشكل مباشر، فهناك أثر غير مباشر هو الأهم يتمثل في خلق الوظائف وزيادة النمو وتسهيل حركة تصدير البضائع من المنطقة وخاصة التمور, كما أن الموقع الإستراتيجي للمنطقة يجعل من المطار مطار دعم لوجستي لمنطقة الرياض، حيث إن الضغط على مطار الملك خالد بالرياض خصوصًا للرحلات الدولية سيجعل من مطار الأمير نايف الدولي بالقصيم بديلاً مهمًا، حيث يوجد قطار ينقل الركاب من الرياض للقصيم بسرعة وبزمن قياسي, وكذلك دعمًا لوجستيًا لمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة وللقادمين للمدينة المنورة من الخارج في حالة زيادة الكثافة على المدينة المنورة.
إن المطار الدولي يعتبر أهم عناصر دعم الاقتصاد لمنطقة القصيم، حيث إن التبادل التجاري الذي كان بين منطق القصيم والمناطق المجاورة لها سيصبح بين منطقة القصيم ودول العالم, حيث إن شحن البضائع سيصبح ذا عائد مجزٍ لشركات الطيران، وستسير رحلات شحن للتمور إلى قارات العالم من منطقة القصيم مما سيرفع من سعر التمور المصدرة، حيث إن البيع المحلي للتمور غير مجدٍ اقتصاديًا ولا يقدم المزارعون على زراعتها رغم توفر المياه وسهولة زراعتها بسبب وفرة المنتج بالمنطقة وعدم القدرة على تسويقه مما جعل سوقه يشهد كسادًا بدليل وضع مهرجان آخر لتسويقه في غير موسمه في المنطقة نفسها، وسيكون الشحن من المطار ومن محطة القطار هو الحل لجعل التمور منجم ذهب يدر على المنطقة رخاء وإزدهارًا.
2 – محطة القطار وسكة حديد فرعية لمدن المنطقة
افتتحت مؤخرًا محطة القطار التابعة لشركة سار وهي محطة فخمة وراقية جدًا وعلى طراز معماري فريد ولا يوجد مثلها إلا في الدول المتقدمة, تقبع هذه المحطة في كثبان الرمال شرق مدينة بريدة وعلى سكة حديد الشمال القادمة من الرياض والمتجهة شمال المملكة، وتفتقد المحطة إلى التواصل مع مدن المنطقة البعيدة وخاصة الرس التي تبعد أكثر من 100كم غرب القصيم وهي ثالث مدن المنطقة حجمًا وسكانًا وكذلك مدينة عنيزة ومينة البكيرية ورياض الخبراء والبدائع والمذنب والأسياح شرق القصيم وكل من عقلة الصقور ودخنة جنوب وغرب القصيم وعدم وجود وسيلة تواصل مع المحطة جعل الفائدة منها قليلة للمدن البعيدة عنها. وعلى هذا أرى أن يتم إنشاء خط فرعي لسكة الحديد يكون بداية لسكة حديد (القصيم- المدينة) تقوم بإنشائه شركة سار ليمر إما عبر طريق الملك فهد ليؤدي إلى مطار الأمير نايف الدولي بالقصيم أو عبر امتداد طريق الأمير نايف شرقًا والقادم من طريق الملك عبدالعزيز المار بالبكيرية وجامعة القصيم. وأرى أن هذا الطريق هو الأنسب لضرورة الربط بين (المطار والقطار) وهذا المسار هو الأنسب لبعده عن العوائق والمباني وخدمته المباشرة لجامعة القصيم والمطار، حيث ضرورة الربط بين محطة القطار والمطار نظرًا للتبادل الخدمي في الركاب بين القطار والطائرة كشبكة مترابطة تكمل كل منهما الأخرى، وخدمة المدن الواقعة ثم تمتد هذه السكة الفرعية إلى مدن البكيرية والخبراء ورياض الخبراء والرس بمحطات. توقف وإنشاء محطة كبرى شمال مدينة الرس وجنوب غرب رياض الخبراء لتخدم مدن غرب القصيم, ومؤقتًا يتم تسيير أسطول حافلات من مدن القصيم تتزامن بوقت كافٍ مع رحلات القطار.
3 – المدينة الطبية
توجد بالمنطقة مستشفيات كبيرة ومتفرقة بين مدنها وتوجد مستشفيات خاصة، ولسمو أمير المنطقة جهود سابقة في إقرار مشروع مدينة طبية للقصيم، وهي ضرورة ملحة بسبب زيادة الكثافة السكانية لجميع مدن المنطقة، ويمكن توحيد التكاليف والجهود والأطباء بإيجاد مستشفي متخصص ذي سعة سريرية مناسبة ومستشفيات خاصة، حيث يواجه المستثمرون في المجال الصحي مشكلة عدم وجود الموقع المناسب المتوفر الخدمات, وتنفيذ البنية التحتية لهذه المدينة بمنطقة فضاء بعيدة عن الكتل العمرانية وتوفير خدمات المياه والكهرباء والاتصالات لها سيوفر بيئة استثمارية مناسبة لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين إضافة إلى المستشفى الحكومي التخصصي الكبير.
4 – المياه المحلاة
تقع القصيم بمنطقة صحراوية بعيدة عن البحار ويقع نصفها على الدرع العربي, وهذا الجزء من منطقة القصيم الواقع على الدرع العربي يحوى مدينة كبرى هي مدينة الرس التي نمت سكانيًا وعمرانيًا واقتصاديًا، ويمكن أن نسميها (عاصمة الدرع العربي)، وكذلك مدن النبهانية وعقلة الصقور وإبانات ودخنة والشبيكية وضرية، وتقع كل من رياض الخبراء والبدائع على حافة الدرع العربي ومياهها الجوفية مهددة بالنضوب بل نضبت في أطرافها الغربية بسبب سحب المياه منها لسقيا مدن الدرع العربي وقراه, ولهذا فإن الخيار الإستراتيجي للقصيم هو في محطة تحلية على الخليج العربي يمتد منها خط مياه مباشر بمسافة حوالي 500كم عبر صحراء الدهناء والضمان بدلاً من الخط الحالي الممتد من الخليج مارًا بالرياض بمسافة تزيد عن 1000كم وما يحتاجه من تكاليف صيانة وتشغيل ومحطات ضخ باهظة التكاليف يمكن بدلاً عنها إنشاء هذا الخط, وأثق في اهتمام سمو أمير المنطقة وسمو نائبه بذلك وبمجلس المنطقة الذي يتابع باهتمام تنمية المنطقة وأن يتم دعوة معالي وزير المياه والبيئة لمشاهدة مدن المنطقة وحاجتها لمياه الشرب, هذا وخاصة أن تحلية مياه البحر أقل تكلفة من تنقية مياه القصيم التي تزداد ملوحتها، وهذه معادلة لابد من إتقانها من قبل وزارة البيئة والمياه.
5 – هيئة تطوير منطقة القصيم
وصلت منطقة القصيم إلى مرحلة كونها منطقة مهمة في معادلة التنمية الكبرى للمملكة وتطويرها لن يقتصر على المنطقة لوحدها بل سيكون ذو تأثير ملموس على اقتصاد المملكة ككل فهي منطقة أثبت التاريخ أنها مصدر ثروات مهمة كالتمور والخضار, بل وحتى المعادن كيف لا وهي ذات رمال لؤلؤية تناسب صناعة ضخمة للزجاج, كيف لا وهي ذات صحار تستقبل كميات هائلة من أشعة الشمس تناسب أن يكون فيها حقول للطاقة الشمسية يمكن أن توازي (حقول النفط)، إضافة إلى أن تطويرها سيسهم في خفض تكلفة المعيشة والتكدس السكاني في الرياض.
ومن أهم أهداف رؤية المملكة2030 استغلال الإمكانات الكامنة وتعدد مصادر الدخل وتنفيذا لهذه الرؤية فمن أنسب الوسائل تأسيس (هيئة تطوير القصيم) كهيئة يرأسها سمو أمير المنطقة وتضم في عضويتها الوزراء المعنييين بتحقيق الرؤية الشاملة للمملكة ويتم من خلال هذه الهيئة إقرار المشاريع التطويرية والاستثمارية التي تحول القصيم إلى مساهم حقيقي في تطور البلاد وتحقيق برامجها الطموحة.
6 – جائزة الأداء الحكومي المتميز
هناك عنصر غائب عن العمل الحكومي بخلاف القطاع الخاص وهو (التنافسية) أو التحفيز لتحسين المنتج النهائي وهو تقديم خدمة متميزة للوطن والمواطن, وغياب هذا العنصر جعل كثير من الموظفين الحكوميين بدون روح للمبادرة وتقديم الأفضل مما يجعله يراوح مكانه خوفا من تبعات مسؤولية أي مبادرة يقوم بها أو خوفه من رئيسه المباشر الذي لا يسره وجود من يكون مبادرا إلا هو!!
ومن هنا أقترح استحداث جائزة باسم (جائزة أمير القصيم للأداء الحكومي المتميز) يتم وضع نظام لها ولجنة تقييم من إمارة المنطقة ومن الحياديين ومن الخبراء وتقوم بتقييم نزيه عن الإدارة الحكومية الأكثر تميزًا من خلال مؤشرات قياس أهمها رضا المواطن, وتقديم خدمة سريعة ومتميزة.
ويتم أيضا وضع جائزة لموظفي الإدارة الذين قدموا العمل المتميز, وبشرط أن يكون التقييم محايدا ونزيها وبهذا ستصل القصيم لمراكز متميزة بين مناطق المملكة… خصوصًا وأنها تتميز بأمير يشتعل حماسًا وتواضعًا وعشقًا للإبداع هو سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود يعاضده سمو نائبه الهمام سمو الأمير فهد بن تركي بن فيصل بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود الذي يتوقد حماسًا وإخلاصًا وحبًا للإبداع.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
الجزيرة