قامت مدينة «الرياض» على أنقاض مدينة «حجر» ولهذا فإن تاريخ المدينتين واحد، وعرفت مدينة «حجر» بأنها أقدم قاعدة لإقليم «اليمامة»، وهو الإقليم الذي يشمل في العهد الحاضر ما يدعى «العارض» و«سدير» و«المحمل» و«الشعيب» و«الوشم» و«الخرج» و«الفرع: الحوطة» و«الحريق» و«الأفلاج»، والبحث في تاريخ مدينة حجر يستلزم البحث في تاريخ سكان هذا الإقليم، ممن اتخذوا هذه المدينة قاعدة لحكمهم.
ومن المؤسف أن المصادر التاريخية المدونة المعروفة لا تتضمن معلومات مقنعة من حيث التفصيل، والصحة، عن تاريخ سكان البلاد في عهودها القديمة، وكل ما يجده الباحث فيها نتف أخبار مقتضبة ومتضاربة، ولم يعثر على شيء من الآثار القديمة يمكن من إبراز بعض الجوانب التاريخية، أو يرسم للمعنيين بالدراسات التاريخية طريقاً واضحاً، إذ لم يجر –حتى هذا العهد– تنقيب عن الآثار، وليس من المعتقد العثور على شيء منها بارز للعيان، إذ الجهل لم يبق على شيء من ذلك.
ولقد خلف الماضون آثاراً لو بقيت لألقت ضوءا على بعض ما خفي من الجوانب التاريخية المتعلقة بهذه البلاد، مما نجد المتقدمين من المؤرخين، حينما يتحدثون عنه يجنحون إلى الخيال، ويميلون إلى المبالغة.
فقد كان في بلدة «سَدوس»، وتعرف قديماً باسم «القرَيّة» بصيغة التصغير، قصر مبني بالصخر المنحوت، ينسبه المتقدمون إلى «سليمان بن داود» عليه السلام – كعادتهم في نسبة كل شيء عجيب حسن الصنعة إليه لتسخير الجن له – كما قال المعري:
وقد كان أرباب الفصاحة كلما
رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن
وقد بقي من ذلك القصر إلى أول القرن الحالي بناء شاخص كالمنارة، فيه كتابات منحوتة في الصخر، فلما رأى أهل القرية السياح يقصدون المكان لمشاهدة ذلك الأثر، هدموه نفوراً من الأجانب، ويروي المؤرخون أن آثار قبيلة «طَسْم» في البناء بقي شيء منها إلى أول القرن الرابع الهجري.
إن الباحث في تاريخ هذه المدينة –والأمر كما ذكرنا– لا مناص له من الرجوع إلى ما في المؤلفات المعروفة عن تاريخها القديم، مهما شاب ذلك من ضروب المبالغة، وخالطه من الأغراب في الخيال.
يعلل المتقدمون من المؤرخين تسمية «حَجر» بأن عبيد بن ثعلبة الحنفي لما أتى «اليمامة» ووجد قصورها وحدائقها خالية من سكانها من قبيلة «طسم» بعد فنائها، وتشتت الباقين منها، واختلاطهم في القبائل العربية الأخرى، احتجز منها ثلاثين قصراً وثلاثين حديقة فسميت «حجِيرَته» «حَجراً»، ولكن تلك المدينة كانت موجودة قبل نزول بني حنيفة فيها في عهد طسم، حيث كانت تسمى «خضراء حجر».
وكلمة «هجر» –والهاء والحاء حرفان حلقيان يكثر بينهما الإبدال– يقصد بها في لغة العرب العاربة «قرية»، قال الهمذاني في صفة جزيرة العرب: «والهجر القرية بلغة حِميَر والعرب العاربة، فمنها هجر البحرين، وهجر نجران، وهجر جازان».
ويفهم من كلام المتقدمين أن مدينة «حجر» تشمل قصوراً متفرقة «مَحَلّات» تتخللها حدائق النخيل، وأنها كانت تمتد على ضفاف وادي «الوتر» من الشمال إلى الجنوب باتجاه الوادي وتنتشر فيها بينه وبين وادي «العِرض».
ويروي المتقدمون أن عبيد بن ثعلبة الحنفي لما نزلها نزل منها في «الشّطِ» قرية كانت في قبلة «حجر» بين «الوتر» و«العرض» قد اكتنفها «حجر» وفيها حصن «معتق» الذي تحصن فيه عبيد الحنفي لما نزل «حجراً»، و«الوتر» بضم الواو وإسكان التاء – هو الوادي المعروف الآن باسم «البطحاء» الذي يخترق مدينة الرياض، كما كان يخترق مدينة «حجر» في الماضي – من الشمال إلى الجنوب، و«العرض» هو الوادي المعروف باسم «وادي حنيفة»، وباسم «الباطن» أيضاً.
ومدينة «حجر» كانت تقع بين هذين الواديين إلا أنها تنتشر على جوانب «البطحاء» شرقاً وغرباً، وتمتد بامتداد الوادي في الربوات التي تنخفض عن التلال الصخرية وترتفع عن مجرى السيول فيما بين الجبل المعروف قديماً باسم «الخربة» وحديثاً باسم «أبو مخروق» حتى تقرب من بلدة «منفوحة»، حيث يتسع أسفل الوادي قبل التقائه بوادي «العرض».
1978*
* أديب وباحث وصحافي سعودي (1910 – 2000)
حمد الجاسر – الوطن