كشفت النتائج التي تلت انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد – 19، وما ترتب عليها بعد إغلاق منافذ السفر من وإلى الخارج، أؤكد أنها كشفت عن الأهمية القصوى للسياحة الداخلية بصورة لم تكن في الحسبان، وليس المقام هنا للحديث عن التنوع الجمالي والسياحي الذي تنفرد به بلادنا، وهو الأمر الذي نجحت الأجهزة التنفيذية القائمة عليه في إبرازه خلال العامين الماضيين بشكل متميز، بقدر ما يتركز الحديث على كثير من أوجه القصور التي ما زال يعانيها عدد من المناطق والمواقع السياحية لدينا، وتبدأ من ضعف أغلب البنى التحتية اللازمة لاستقبال وإقامة مئات الآلاف من السياح المواطنين ومن دول مجلس التعاون، فما بالنا إذا عادت منافذ السفر للانفتاح الكامل؟
ليس المقام هنا لأجل حصر أوجه القصور، وهي التي كشف عنها السياح خلال فترة الصيف في المناطق والمواقع التي وجدوا فيها، بدءا من ضعف وسائل الاتصالات، مرورا بشح وضيق تنوع مقار الإقامة بكل فئاتها ودرجاتها، وما اتسمت به من غلاء أسعار إيجاراتها، إضافة إلى ضعف قدرة المستشفيات والمراكز الصحية، التي قد يكون لانشغال أغلبها بالتعامل مع مرضى كورونا عذر من جانب، لكنه من جوانب أخرى لا يلغي ضعف قدرة تلك المراكز، التي طالما عانت طوال أعوام ماضية أوجه الضعف، وكل ذلك كان هو العنوان المشترك للزوار والسياح خلال فترة الصيف الأخيرة، وهو ما تم تداوله عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر – كما نأمل جميعا – الذي أصبح تحت نظر الأجهزة المعنية بتلك المجالات الحيوية والتنموية، قبل أن تكون سياحية، ويتطلع الجميع إلى أن يرى إصلاحات أوسع وأسرع خلال الفترة المقبلة بمشيئة الله تعالى.
يتركز الحديث هنا على الأهمية القصوى لاجتذاب مزيد من الاستثمارات الضخمة، وتوظيفها في المناطق والمواقع السياحية المنتشرة في مختلف أرجاء بلادنا، ولا يقصد هنا بالاستثمارات السياحية فقط، بل الاستثمارات بمفهومها الأوسع التي تشمل كل مقدرات الحياة في تلك المناطق، وما يمت بصلة مباشرة بالبنى التحتية من مطارات وطرق وكهرباء وماء واتصالات ومستشفيات ومخططات سكنية وتجارية.. إلخ، وهو الأمر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل أحد مكوناته عن بعضها بعضا، ولا يمكن أيضا أن تصل إلى تطوير عوامل الجذب السياحي دون المرور بتلك المكونات الأساسية للحياة المعتادة لسكان تلك المناطق، لكونها منظومة متكاملة ليس لأي طرف من الأطراف أن ينجح في مجاله دون تكاتف جميع الجهود الأخرى.
يبدأ العمل في هذا الاتجاه من اندفاع الأجهزة الحكومية وصندوق الاستثمارات العامة، ومن ثم سيأتي دور المصارف المحلية والقطاع الخاص بمختلف منشآته، والبدء ضمن منظومة عمل وجهود متكاملة في النهوض بالبنى والقدرات في المناطق السياحية، وهو الأمر الذي بكل تأكيد سيتطلب ضخ مئات المليارات من الريالات لأجل تلك الجهود، وهو أيضا بحال تحققه سيكون أحد أهم أسباب اجتذاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، سيشجعها في ذلك أن نرى على أرض الواقع اهتماما وعملا وضخا للاستثمارات من الأجهزة المحلية.
لن يقف الأمر عند مجرد تعزيز ودعم صناعة السياحة في بلادنا، بل سيتجاوزه إلى مزيد من دعم تنوع قاعدة الإنتاج المحلية للاقتصاد الوطني، وتوسيع الاعتماد اقتصاديا على مناطق أخرى لم تحظ بالقدر الكافي خلال أعوام مضت، بالفرصة الحقيقية التي تؤهلها للمساهمة بقدر أكبر في النمو الاقتصادي، وبإيجاد مئات الآلاف من الوظائف المجدية والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة في تلك المناطق، حيث وقف خلف هجرة أغلبها نحو المدن الرئيسة، وزارد بدوره من الازدحام السكاني في تلك المدن والمحافظات الرئيسة.
إن ما يمر به الاقتصاد العالمي أثناء اصطدامه مع هذه الجائحة العالمية، وما يجري الحديث عنه من ارتفاع حالة الحمائية التجارية لدى أغلب الاقتصادات حول العالم طوال الأعوام المقبلة، يؤكد بدرجة أكبر أهمية الإسراع في شأننا المحلي لمعالجة أغلب أوجه القصور الاقتصادي لدينا، وهي ملفات متنوعة ومتعددة بدأ العمل مبكرا على أجزاء واسعة منها، إنما يجب التأكيد هنا أن صناعة السياحة لدينا لا بد أن تكون ضمن تلك الملفات التي تتمتع بالأولوية القصوى، والعمل عليها بنظرة أوسع تتجاوز مجرد كونها صناعة للسياحة، وتشتمل على قدر واسع جدا من خيارات الحياة والتنمية المستدامة والشاملة، ولا تقف فقط عند مجرد ضخ استثمارات في مواقع سياحية بعينها.
عبدالحميد العمري
الاقتصادية